يعد التقبل من المهارات العلاجية المهمة جدا في رحلة التخلص من الوسواس القهري، إذ تلعب هذه المهارة دورا أساسيا في مساعدة الأشخاص على التعامل مع الأفكار المزعجة والسلوكيات القهرية المرتبطة بها.
بما إن الوسواس القهري يتميز بأفكار غير مرغوب بها تتسم بالإلحاح والتكرار وتثير القلق وتؤدي في النهاية إلى إجبار الشخص على القيام بسلوكيات قهرية متكررة من أجل تخفيف هذا القلق، فإن مزاجه يتعكر ويبدأ بكره نفسه تدريجيا وكره واقعه إلى أن يقع في شراك الاكتئاب.
وهنا يأتي دور التدرب على مهارة التقبل التي هدفها التقليل من المعاناة النفسية وتحويلها إلى ألم فقط. لأن رفض الإنسان نفسياً لوجود الوسواس القهري في حياته، يسهم بشكل مباشر بتحويل الألم النفسي على معاناة نفسية حادة وبالتالي يصبح من المستحيل علاج ذلك الوسواس. ويمكن تلخيص فوائد هذه المهارة بالتالي:
عندما يبدأ الشخص بتقبل الأفكار الوسواسية كما هي، بدلا من محاولة مقاومتها أو تجنبها، يقل القلق المرتبط بها تدريجيا، لأن المقاومة والرفض يزيدان الشعور بالقلق إلى أعلى درجة ممكنة، وتصل في الكثير من الأحيان إلى نوبة هلع.
يعتمد الوسواس القهري على حلقة من مفرغة من الأفكار والسلوكيات، وهذا السلوكيات هي التي تعزز الوسواس يوما بعد آخر، وهنا تأتي مهارة التقبل لكسر هذه الحلقة، من خلال التدرب على تقبل الأفكار بالتزامن مع التعرض لها دون استجابة سلوكية لخفض التوتر المرتبط بها.
عندما يكون الشخص منشغلا طوال الوقت فقط برفض ومقاومة الأفكار الوسواسية وممارسة السلوكيات القهرية، فإنه ينشغل عن اكتشاف نفسه، أما في حال ممارسة التقبل، فإن الإنسان يبدأ تدريجيا بمعرفة نفسه ووسواسه وبالتالي قدرة أكبر على التعامل معه مستقبلا.
وهذه أهم فوائده، حيث بقاء الإنسان في دوامة سلبية من التفكير والشعور والسلوك، مع رفض هذه الدوامة نفسيا وبشكل كامل، يؤدي في النهاية إلى نشوء أفكار سلبية تجاه الذات مثل (أنا فاشل – أنا لا استحق الحياة – ... الخ) وهذا يؤدي إلى تصعيب المهمة العلاجية مهما كانت سهلة، بينما تقبل وجود الوسواس كما هو، والتوقف عن مقارنة الشخص نفسه بغيره، والتركيز على إيجابيات حياته بدلا من سلبياتها، وملاحظة سلبيات حياة الاخرين دون التركيز على إيجابياتها فقط يؤدي أخيرا إلى تخفيف المعاناة النفسية وبالتالي تبسيط وتسريع العملية العلاجية.
يعد العلاج المعرفي السلوكي المستند إلى فنية التعرض ومنع الاستجابة أفضل أنواع العلاج المتاحة للوسواس القهري، وقد يتم دمجه مع الادوية النفسية وبعض الأعشاب إذا كانت الحالة تستدعي ذلك، لكن هذا العلاج لن يكون كافيا إن كان الإنسان رافضا لوجود الوسواس القهري في حياته، وبالتالي يكون هنا دور التقبل هو دعم العلاج المعرفي السلوكي.
وتمارسها في كل لحظة يهاجمك بها الوسواس، من خلال ممارسة التنفس العميق ولو لعشرة ثواني فقط، والتحدث مع نفسك (أنا متقبل لوضعي كما هو ومن دون تغيير ومتقبل لوجود هذه الأفكار كما هي وإذا كانت تريد البقاء لتبقى، ولا تهمني إن كانت حقيقية أو كاذبة وخادعة، ولا يجب أن اكره نفسي بسبب هذه الوساوس فهي تحدي في حياتي وكل إنسان له تحديات من نوع مختلف وهو متقبل لها).
اختر وقتا ومكانا مناسبين، بحيث يمكنك الاختلاء بنفسك لفترة 15 دقيقة على الأكثر، مارس التنفس البطني العميق أو أي تنفس تراه مناسبا لك لمدة 5 دقائق، ثم ابدأ بالتركيز على إيجابيات حياتك وإنجازاتك الشخصية، وحاول أن تركز في سلبيات حياة الآخرين، فمثلا قد يبدو صديقك (زيد) غنيا ومرتاحا ولك لديه طفلة مريضة تنغص عليه حياته بسبب خوفه عليها، وصديقك (احمد) مرتاح من كل الجوانب، ولكن لديه والد نرجسي يحاول استغلاله دائما، وهكذا تذكر التحديات التي تواجه الناس، لتعرف إنك لا تختلف عنهم، فلكل إنسان تحدياته ولا داعي لتكره نفسك بسبب هذا التحدي. ثم عد إلى تنفسك.
يمكنك قرائتها في كتب (مهارات العلاج الجدلي السلوكي) وكتب (مهارات العلاج بالتقبل والالتزام) وأيضا يمكن لتطبيقات المحادثة مع الذكاء الاصطناعي أن تساعدك في التدرب لو شرحت لها حالتك بالتفصيل.