الأخصائي النفسي وعد عباس
10 Nov
10Nov

يعد المستقبل أحد أكثر جوانب الحياة غموضا، إذ لا يستطيع الإنسان مهما فعل أن يتحكم به أو يسيطر عليه أو يعدله، خاصة في ضل التغير المستمر للظروف حولنا، والتي لا نملك قدرة على التحكم بها. 

ولهذه الاسباب نجد القلق من المستقبل يسيطر على عدد كبير من الناس حول العالم، لا أريد هنا التطرق إلى أعراضه وأسبابه، فهو مشكلة واضحة يمكن أن اختصرها بأنه الخوف من أي شيء يتعلق بالمستقبل والأحداث المستقبلية، والتفكير المفرط المزعج بالمستقبل وما سيؤول إليه. 

سأعطيك في هذه المقالة خمس خطوات إذا طبقتها بشكل صحيح لمدة لا تقل عن ستة أشهر، ستتخلص منه إلى الأبد إن شاء الله، لكن دعني أذكرك ببيت شعر جميل كتبه شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري عن المستقبل، كيف تعرف إننا جميعا عاجزون عن التحكم به: 

أعيا الفلاسفةَ الأحرارَ جــــهلُهمُ     ماذا يخِّبي لهمْ في دَفَّتيهِ غد

طالَ التَمحْلُ واعتاصتْ حُلولُهم     ولا تزالُ على ما كانتِ العُقَد

الخطوة الأولى/ الثتقيف النفسي

إن زيادة وعيك باضطرابك وأسبابه ونسب الإصابة به ومدى التعافي منه، يؤدي بالتأكيد إلى زيادة قدرتك على الالتزام بالخطة العلاجية الموجودة في هذه المقالة، أو التي يرسمها لك أخصائيي الصحة العقلية. 

فقبل أن تبدأ رحلتك العلاجية، لا بد أن تعرف ماهية هذا الاضطراب واعراضه واسبابه ونسب انتشاره ومدى قدرتك على التعافي منه، وأنصحك هنا أن تقضي مدة لا تقل عن أسبوعين مشاهدة الفيديوهات التي تتحدث عن قلق المستقبل وقراءة الكتب المتعلقة به والمقالات المنشورة في الشبكة العنكبوتية. 

المرحلة الثانية/ تحديد مصادر القلق

من النادر أن نجد إنسانا قلقا من المستقبل كله، بل من بعض جوانب المستقبل، مثل القلق من أمن البلد أو القلق على مستقبل الاولاد أو القلق على الصحة أو القلق على الحياة الزوجية... الخ. 

إن تحديدك لمصادر قلقك تجعلك أكثر تفهما لما تعاني منه، وأكثر سيطرة عليه، حاول أن تكتب هذه الأشياء المقلقة على الورق كي تصبح أمام عينيك واضحة وغير مشتتة. 

المرحلة الثالثة/ غير تفكيرك

الناس كلهم وبدون استثناء تأتيهم أفكار خطيرة تتعلق بالمستقبل، فلماذا يصاب بعضهم بقلق المستقبل والبعض الآخر يبقى سويا؟ والإجابة هنا ببساطة، إن الناس عموما لا يولون أهمية لهذه الأفكار، فهي جزء من عمل العقل الذي تأتيته مئات الافكار يوميا وتختفي، لكن البعض يعتبرون هذه الأفكار حقيقةً ستحدث ولو بعد حين، فيوقفونها ويناقشونها ويتوترون بسببها، فيعتبر العقل إن هذه الأفكار مهمة، ليبدأ باقتراح المزيد منها على العقل حتى يصبح الإنسان يعيش في دوامة تلك الأفكار، فدعني أوصيك ببعض التقنيات

  1. راقب نفسك واكتب افكارك عن المستقبل لمدة أسبوع. 
  2. ثم اكتب الأدلة التي تؤيد فكرتك السلبية والأدلة التي ضدها لمدة اسبوع. 
  3. ثم اجلس مع نفسك وتحدث، هل ينظر الآخرون إلى هذه الاشياء مثل نظرتك؟ وكيف تعتقد إنهم ينظرون إليها؟ ولماذا تعتقد إنهم ينظرون بهذه الطريقة؟ استمر بهذه التقنية لمدة أسبوع. 
  4. ثم تخيل نفسك في قاعة محكمة والمدعي العام يتهمك بأفكارك السلبية، ويطالبك بالدفاع عن نفسك لتثبت له إنك إيجابي وتحاول اختلاق الادلة التي ترفض تلك الأفكار. لمدة اسبوع. 
  5. ابدأ بالحديث لأصدقائك بشكل سلس لتعرف نظرتهم لتلك المخاوف، ولماذا لا يخافون منها؟ 
  6. اجل القلق: خصص ساعة واحدة يوميا للقلق فقط، وكلما تأتيك فكرة خلال اليوم قل في نفسك سأناقشها وأقلق اليوم عند الساعة كذا. 
  7. تقبل إن المستقبل لا يمكن لك ولا لغيرك التحكم به، فدرب نفسك على أن تمر الأفكار المتعلقة مرور عربات القطار المتجهة لغير وجهتك وانت تنظر إليها، لا تقلق بسببها ولا توقفها ولا تناقشها، ولا تعتبرها حقيقة ستحدث. 

المرحلة الرابعة/ ركز في الحاضر

الحاضر هو الشيء الوحيد الذي يمكننا إلى حد ما التحكم به، والسيطرة عليه لصناعة مستقبل افضل، فإذا كانت لديك مخاوف من شيء محدد في المستقبل، وبعد تطبيقك الخطوات السابقة ثبت إنك محق وإن خوفك في محله، فقد حان الوقت للتوقف عن القلق الذي لن ينفعك بشيء ووضع خطة يمكن أن تساهم بالوقاية من وقوع الشيء الذي تخافه. 

المرحلة الخامسة/ اشغل وقتك بما ينفع 

إن كثرة وقت الفراغ، أو الإلتزام بروتين يومي ممل، يمكن أن يؤدي بطبعية الحالة إلى الإصابة بقلق المستقبل أو على الاقل يسهم في زيادته واستمراره: 

  1. مارس نشاطا رياضيا بشكل يومي، أو على الاقل مارس أحد أنشطة التأمل مثل اليوغا أو الاسترخاء التنفسي والعضلي ولكن بشكل صحيح.
  2. اكسر الروتين من خلال تغيير ديكور الغرفة أسبوعيا وذلك بتغيير شرشف السرير والوسائد، ولون ضوء الغرفة أو ممارسة الجنس بوضعيات واماكن مختلفة، والخروج في نزهة قصيرة اسبوعيا والخروج مع الاصدقاء. 
  3. اطفئ النور بحيث تبدو الغرفة معتمة تماما ونم ساعات كافية. 
  4. قلل من متابعة التوقعات الكارثية للمستقبل وقلل متابعة الاخبار السياسية والأمنية التي تثير القلق.

المرحلة السادسة/ حل مشكلاتك

عيش الإنسان في بيئة عائلية مليئة بالمشكلات، يجعله أكثر قلقا للمستقبل، وهذا شيء طبيعي يتعرض له أي إنسان، هذه المشكلات التي تزيد من قلقك بحاجة لورقة وقلم، واستشارة أناس لديهم خبرة، من أجل وضع حلول جذرية لها، ولو كانت بخروجك لمنزل والعيش بوحدك بالنسبة للحالات الشديدة المستعصية على الحل. 

خذ مثالا إن امرأة تواصلت معي تعاني من قلق المستقبل، وقد اكتشفت خلال حديثي معها، إن زوجها من النوع النرجسي جدا، الذي يحقرها ويظلمها ويقلل من شأنها، ويأبه بها، وكل يوم يهددها بالطلاق... الخ، رسمنا العديد من الخطط للتصالح معه وبناء حياة أفضل، لكنه لم ولن يستجيب رغم مضي سنوات على الزواج، ومضي أشهر على تطبيق الخطط العلاجية، فكان الأفضل لها أن تبني مهارات مهنية وتنفصل حفاظا على حياتها. 

الملخص:

هناك مشكلات يمكن حلها، ومشكلات مزمنة لكنها ليست مؤثرة كثيرا ويجب أن نتعايش معها ليتناقص قلقنا، ومشكلات لها تأثير حاد ولا يمكن حلها إلا باتخاذ إجراء الانفصال او الابتعاد أو السفر.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.