يعد المستقبل أحد أكثر جوانب الحياة غموضا، إذ لا يستطيع الإنسان مهما فعل أن يتحكم به أو يسيطر عليه أو يعدله، خاصة في ضل التغير المستمر للظروف حولنا، والتي لا نملك قدرة على التحكم بها.
ولهذه الاسباب نجد القلق من المستقبل يسيطر على عدد كبير من الناس حول العالم، لا أريد هنا التطرق إلى أعراضه وأسبابه، فهو مشكلة واضحة يمكن أن اختصرها بأنه الخوف من أي شيء يتعلق بالمستقبل والأحداث المستقبلية، والتفكير المفرط المزعج بالمستقبل وما سيؤول إليه.
سأعطيك في هذه المقالة خمس خطوات إذا طبقتها بشكل صحيح لمدة لا تقل عن ستة أشهر، ستتخلص منه إلى الأبد إن شاء الله، لكن دعني أذكرك ببيت شعر جميل كتبه شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري عن المستقبل، كيف تعرف إننا جميعا عاجزون عن التحكم به:
أعيا الفلاسفةَ الأحرارَ جــــهلُهمُ ماذا يخِّبي لهمْ في دَفَّتيهِ غد
طالَ التَمحْلُ واعتاصتْ حُلولُهم ولا تزالُ على ما كانتِ العُقَد
إن زيادة وعيك باضطرابك وأسبابه ونسب الإصابة به ومدى التعافي منه، يؤدي بالتأكيد إلى زيادة قدرتك على الالتزام بالخطة العلاجية الموجودة في هذه المقالة، أو التي يرسمها لك أخصائيي الصحة العقلية.
فقبل أن تبدأ رحلتك العلاجية، لا بد أن تعرف ماهية هذا الاضطراب واعراضه واسبابه ونسب انتشاره ومدى قدرتك على التعافي منه، وأنصحك هنا أن تقضي مدة لا تقل عن أسبوعين مشاهدة الفيديوهات التي تتحدث عن قلق المستقبل وقراءة الكتب المتعلقة به والمقالات المنشورة في الشبكة العنكبوتية.
من النادر أن نجد إنسانا قلقا من المستقبل كله، بل من بعض جوانب المستقبل، مثل القلق من أمن البلد أو القلق على مستقبل الاولاد أو القلق على الصحة أو القلق على الحياة الزوجية... الخ.
إن تحديدك لمصادر قلقك تجعلك أكثر تفهما لما تعاني منه، وأكثر سيطرة عليه، حاول أن تكتب هذه الأشياء المقلقة على الورق كي تصبح أمام عينيك واضحة وغير مشتتة.
الناس كلهم وبدون استثناء تأتيهم أفكار خطيرة تتعلق بالمستقبل، فلماذا يصاب بعضهم بقلق المستقبل والبعض الآخر يبقى سويا؟ والإجابة هنا ببساطة، إن الناس عموما لا يولون أهمية لهذه الأفكار، فهي جزء من عمل العقل الذي تأتيته مئات الافكار يوميا وتختفي، لكن البعض يعتبرون هذه الأفكار حقيقةً ستحدث ولو بعد حين، فيوقفونها ويناقشونها ويتوترون بسببها، فيعتبر العقل إن هذه الأفكار مهمة، ليبدأ باقتراح المزيد منها على العقل حتى يصبح الإنسان يعيش في دوامة تلك الأفكار، فدعني أوصيك ببعض التقنيات:
الحاضر هو الشيء الوحيد الذي يمكننا إلى حد ما التحكم به، والسيطرة عليه لصناعة مستقبل افضل، فإذا كانت لديك مخاوف من شيء محدد في المستقبل، وبعد تطبيقك الخطوات السابقة ثبت إنك محق وإن خوفك في محله، فقد حان الوقت للتوقف عن القلق الذي لن ينفعك بشيء ووضع خطة يمكن أن تساهم بالوقاية من وقوع الشيء الذي تخافه.
إن كثرة وقت الفراغ، أو الإلتزام بروتين يومي ممل، يمكن أن يؤدي بطبعية الحالة إلى الإصابة بقلق المستقبل أو على الاقل يسهم في زيادته واستمراره:
عيش الإنسان في بيئة عائلية مليئة بالمشكلات، يجعله أكثر قلقا للمستقبل، وهذا شيء طبيعي يتعرض له أي إنسان، هذه المشكلات التي تزيد من قلقك بحاجة لورقة وقلم، واستشارة أناس لديهم خبرة، من أجل وضع حلول جذرية لها، ولو كانت بخروجك لمنزل والعيش بوحدك بالنسبة للحالات الشديدة المستعصية على الحل.
خذ مثالا إن امرأة تواصلت معي تعاني من قلق المستقبل، وقد اكتشفت خلال حديثي معها، إن زوجها من النوع النرجسي جدا، الذي يحقرها ويظلمها ويقلل من شأنها، ويأبه بها، وكل يوم يهددها بالطلاق... الخ، رسمنا العديد من الخطط للتصالح معه وبناء حياة أفضل، لكنه لم ولن يستجيب رغم مضي سنوات على الزواج، ومضي أشهر على تطبيق الخطط العلاجية، فكان الأفضل لها أن تبني مهارات مهنية وتنفصل حفاظا على حياتها.
هناك مشكلات يمكن حلها، ومشكلات مزمنة لكنها ليست مؤثرة كثيرا ويجب أن نتعايش معها ليتناقص قلقنا، ومشكلات لها تأثير حاد ولا يمكن حلها إلا باتخاذ إجراء الانفصال او الابتعاد أو السفر.