الأخصائي النفسي وعد عباس
12 May
12May

العلاج النفسي بالمخططات هو نهج علاجي متكامل يركز بشكل أساسي على فهم ومعالجة الآثار العميقة للتجارب المبكرة في مرحلة الطفولة وتأثيرها المستمر على حياة الفرد في مرحلة البلوغ. يهدف هذا الأسلوب إلى إحداث تغييرات جوهرية في الأنماط السلبية التي نشأت في الطفولة وتتكرر في العلاقات والسلوكيات الحالية. 

مقدمة حول العلاج بالمخططات

يعتبر العلاج بالمخططات نهجًا تكامليًا لأنه يجمع بين مفاهيم وتقنيات من مدارس علاجية متنوعة، مما يوفر إطارًا شاملاً لفهم وعلاج مجموعة واسعة من المشكلات النفسية. تكمن أهمية العلاج بالمخططات في قدرته على معالجة القضايا النفسية المزمنة والمعقدة، وخاصة تلك التي قد لا تستجيب بشكل كامل للعلاجات التقليدية الأخرى. إنه يوفر منظورًا متعمقًا حول كيفية تشكل الأنماط السلوكية والعاطفية غير الصحية في وقت مبكر من الحياة وكيف تستمر في التأثير على الفرد بمرور الوقت. من خلال التركيز على جذور هذه الأنماط، يسعى العلاج بالمخططات إلى تحقيق تعافٍ حقيقي ودائم بدلاً من مجرد تخفيف الأعراض السطحية.   

نبذة تاريخية عن تطور العلاج

يعود الفضل في تطوير العلاج النفسي بالمخططات إلى عالم النفس الأمريكي جيفري يونغ في أوائل التسعينيات. نشأت فكرة العلاج بالمخططات في الأصل ضمن إطار العلاج المعرفي للاكتئاب، حيث لاحظ يونغ أن بعض المرضى الذين يعانون من اضطرابات شخصية ومشاكل مزمنة لم يستفيدوا بشكل كافٍ من العلاج السلوكي المعرفي التقليدي. دفع هذا يونغ إلى توسيع النموذج المعرفي ليشمل تأثير التجارب المبكرة في الحياة على النمو النفسي.   

يعتبر الدكتور جيفري يونغ المؤسس الرئيسي للعلاج النفسي القائم على الأنماط أو المخططات، وهو أستاذ في كلية الطب بجامعة كولومبيا. تركز أعماله المكثفة على فهم ومعالجة الأزمات العاطفية العميقة التي تؤدي إلى ما يسمى بـ "فخاخ الحياة" أو "الأنماط السلبية" التي تقيد الأفراد في حياتهم اليومية. من خلال دمج مبادئ العلاج المعرفي مع نظريات النمو والعلاقات، قدم يونغ نهجًا علاجيًا قويًا لمعالجة المشكلات النفسية المتجذرة.   

موقع العلاج بالمخططات ضمن العلاجات النفسية الأخرى

يتميز العلاج النفسي بالمخططات بكونه نهجًا علاجيًا تكامليًا يجمع بين نظريات وتقنيات من مجموعة متنوعة من المدارس العلاجية. يعتمد هذا النهج على أسس العلاج السلوكي المعرفي (CBT) من خلال التركيز على تحديد وتغيير الأفكار والمعتقدات غير الصحية. بالإضافة إلى ذلك، يستمد العلاج بالمخططات من نظرية العلاقة بالموضوع، والتحليل النفسي، ونظرية التعلق، والعلاج الجشطلتي، مما يجعله نموذجًا شاملاً ومتعدد الأوجه.   

يُنظر إلى العلاج بالمخططات على أنه يمثل تطورًا في الموجة الثالثة من العلاج المعرفي السلوكي، حيث يتجاوز التركيز التقليدي للعلاج السلوكي المعرفي على الأعراض الحالية ليشمل فهم جذور المشكلات النفسية في مرحلة الطفولة. من خلال دمج العناصر التجريبية والعاطفية من العلاجات الأخرى، يسعى العلاج بالمخططات إلى توفير تجربة علاجية أكثر عمقًا وتأثيرًا، خاصة للأفراد الذين يعانون من صعوبات شخصية مزمنة.

المفاهيم الأساسية للعلاج النفسي بالمخططات 

المخططات المبكرة غير المتكيفة تعريفها، خصائصها، وكيفية نشأتها 

في صميم العلاج النفسي بالمخططات يقع مفهوم "المخططات المبكرة غير المتكيفة". يُعرف المخطط بأنه نمط أو هيكل معرفي ينظم الفكر والسلوك. ومع ذلك، في سياق العلاج بالمخططات، يشير المصطلح تحديدًا إلى أنماط منهزمة ذاتيًا من التصور والعاطفة والإحساس الجسدي، والتي تتكون في وقت مبكر من الحياة وتتكرر عبر مراحلها المختلفة. غالبًا ما تكون هذه المخططات مصحوبة بمشاعر قوية مثل الخوف، وعدم اليقين، وعدم الثقة.   

تتميز المخططات المبكرة غير المتكيفة بعدة خصائص مهمة. إنها هياكل معرفية أساسية مستقرة نسبيًا، ونادرًا ما يتم التعبير عنها بشكل مباشر. يتم تطبيقها تلقائيًا، وتبدأ في التكون في مرحلة الطفولة المبكرة وتستمر في التشكل مع التجارب اللاحقة. 

تعتبر هذه المخططات عميقة الجذور وليس من السهل دائمًا تحديثها أو تغييرها. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر المخططات مواضيع أو أنماطًا واسعة الانتشار ومستحوذة، تتضمن الذكريات، والانفعالات، والمعارف، والأحاسيس الجسدية التي تتعلق بالفرد في حد ذاته وعلاقاته مع الآخرين. إنها أنماط معرفية وانفعالية محبطة للذات.   

تنشأ المخططات المبكرة غير المتكيفة بشكل أساسي نتيجة لعدم تلبية الاحتياجات العاطفية الأساسية للطفل في مرحلة الطفولة. للخبرات المبكرة في الحياة تأثيرات جوهرية على النمو النفسي اللاحق. وفقًا ليونغ وزملائه، لدى كل شخص خمس احتياجات عاطفية أساسية، ويؤدي إشباعها إلى الحصول على صحة نفسية جيدة. عندما يفشل الآباء أو مقدمو الرعاية في توفير بيئة تلبي هذه الاحتياجات بشكل كافٍ ومستمر، يمكن أن تتطور لدى الطفل مخططات غير متكيفة كوسيلة للتكيف مع الألم والإحباط الناتج عن ذلك.   

مجالات المخططات 

لتنظيم وفهم الأنواع المختلفة من المخططات المبكرة غير المتكيفة، حدد جيفري يونغ خمسة مجالات رئيسية تمثل فئات واسعة من الاحتياجات العاطفية غير الملباة. هذه المجالات هي:   

  • الانفصال/الرفض: يعكس هذا المجال توقع عدم استقرار أو عدم موثوقية أو عدم توفر الأشخاص المهمين، أو الشعور بالانفصال عن الآخرين أو الاستبعاد منهم. يشمل هذا المجال مخططات مثل الهجر/عدم الاستقرار، والارتياب/سوء المعاملة، والحرمان العاطفي، والخلل (العيب)/الخزي (العار)، والعزل الاجتماعي/الاغتراب.   
  • ضعف الاستقلالية أو الفاعلية: يتميز هذا المجال بتوقع الفرد بأنه غير قادر على التصرف بشكل مستقل أو البقاء على قيد الحياة بمفرده. يتضمن مخططات مثل الاعتمادية/عدم الكفاءة، وقابلية التعرض للأذى أو المرض، والوقوع في الشَرك/الذات المتخلفة، والفشل (الإخفاق).   
  • ضعف الحدود: يشير هذا المجال إلى نقص في الحدود الداخلية أو الخارجية، مما يؤدي إلى صعوبة في احترام حقوق الآخرين أو وضع حدود صحية. يشمل مخططين رئيسيين هما الاستحقاق/العظمة، وضبط النفس أو الانضباط الذاتي غير الكاف.   
  • توجيه الآخرين: يتميز هذا المجال بالتركيز المفرط على تلبية احتياجات الآخرين على حساب تلبية احتياجات الفرد الخاصة، غالبًا لتجنب الرفض أو الحصول على القبول. يشمل مخططات مثل الإخضاع، والتضحية بالنفس، والسعي لموافقة أو استحسان الغير.   
  • الحذر الزائد/التثبيط: يعكس هذا المجال الميل المفرط إلى الحذر، وتجنب المخاطر، وكبت المشاعر، غالبًا بسبب توقع حدوث نتائج سلبية. يشمل مخططات مثل السلبية/التشاؤم، والتثبيط العاطفي، والمعايير الصارمة/النقد الزائد، والقسوة.   

الجدول: مجالات المخططات وأمثلة عليها

مجال المخططأمثلة على المخططات داخل المجال
الانفصال/الرفضالهجر/عدم الاستقرار، الارتياب/سوء المعاملة، الحرمان العاطفي، الخلل (العيب)/الخزي (العار)، العزل الاجتماعي/الاغتراب
ضعف الاستقلالية أو الفاعليةالاعتمادية/عدم الكفاءة، قابلية التعرض للأذى أو المرض، الوقوع في الشَرك/الذات المتخلفة، الفشل (الإخفاق)
ضعف الحدودالاستحقاق/العظمة، ضبط النفس أو الانضباط الذاتي غير الكاف
توجيه الآخرينالإخضاع، التضحية بالنفس، السعي لموافقة أو استحسان الغير
الحذر الزائد/التثبيطالسلبية/التشاؤم، التثبيط العاطفي، المعايير الصارمة/النقد الزائد، القسوة

أنماط التكيف:

تتطور أنماط التكيف كاستجابات سلوكية للمخططات المبكرة غير المتكيفة. يتبنى الأفراد هذه الأنماط كوسيلة للتعامل مع الألم والانزعاج الناجم عن تنشيط مخططاتهم. ومع ذلك، غالبًا ما تكون هذه الأنماط غير صحية على المدى الطويل وتؤدي إلى تعزيز المخططات بدلاً من حلها. تشمل أنواع أنماط التكيف غير الصحية ما يلي:   

  • الاستسلام: يعني تقبل المخطط والتصرف بطرق تتوافق معه. على سبيل المثال، شخص لديه مخطط العيب قد يستسلم للشعور بأنه غير جيد بما فيه الكفاية ويتجنب التحديات الجديدة.   
  • التجنب: يتضمن محاولة تجنب المواقف أو الأشخاص الذين قد يؤدون إلى تنشيط المخطط. على سبيل المثال، شخص لديه مخطط الهجر قد يتجنب العلاقات الوثيقة لحماية نفسه من الشعور بالرفض.   
  • التعويض الزائد: يتمثل في محاولة التغلب على المخطط من خلال التصرف بطريقة معاكسة له بشكل مفرط. على سبيل المثال، شخص لديه مخطط النقص قد يحاول أن يكون مثاليًا ويسعى باستمرار لتحقيق النجاح لإثبات قيمته.   

يهدف العلاج بالمخططات إلى مساعدة الأفراد على التوقف عن استخدام أساليب التكيف المختلة وظيفيًا واستبدالها باستراتيجيات أكثر صحة وتكيفًا.   

صيغ المخطط:

تمثل صيغ المخطط حالات ذهنية مؤقتة تجمع بين المخططات المبكرة غير المتكيفة وأنماط التكيف في لحظة معينة. يمكن للشخص أن يتحول إلى هذه الحالة الذهنية من حين لآخر، اعتمادًا على الموقف والمحفزات البيئية. تعتبر صيغ المخطط طريقة لفهم كيف تتفاعل المخططات وأنماط التكيف بشكل ديناميكي وتؤثر على مشاعر الفرد وسلوكياته في مواقف محددة. تشمل بعض الأمثلة على صيغ المخطط:   

  • صيغة الطفل الضعيف: تتميز بالشعور بالوحدة، والخوف، وعدم الحماية، وغالبًا ما ترتبط بمخططات مثل الهجر والخلل.   
  • صيغة الطفل الغاضب: تتميز بمشاعر الغضب، والإحباط، والاستياء، وعادة ما تنشأ عندما لا يتم تلبية احتياجات الطفل الأساسية.   
  • صيغة الطفل المندفع: تتميز بالرغبة في التصرف بشكل عفوي دون التفكير في العواقب، ويمكن أن تشمل سلوكيات مثل القيادة المتهورة أو تعاطي المخدرات.   
  • صيغة المستقل الحامي: تتميز بالانسحاب، والتباعد، والانفصال عن الآخرين كوسيلة لحماية الذات من الألم العاطفي.   

يساعد تحديد صيغ المخطط المرضى على فهم الأنماط السلوكية التي يقعون فيها وكيفية ارتباطها بمخططاتهم المبكرة.   

الاحتياجات العاطفية الأساسية: 

تفترض نظرية العلاج بالمخططات وجود خمس احتياجات عاطفية أساسية لدى جميع الأفراد، والتي يعتبر إشباعها ضروريًا للصحة النفسية. عدم تلبية هذه الاحتياجات في مرحلة الطفولة هو المحرك الرئيسي لتكوين المخططات المبكرة غير المتكيفة. هذه الاحتياجات هي:   

  • المرفقات الآمنة بالآخرين: وتشمل الشعور بالأمان، والاستقرار، والرعاية، والقبول من قبل الآخرين. من أهم هذه الحاجات حاجة الطفل إلى الشعور بالأمن والطمأنينة، والحاجة إلى الانتماء. 
  • الاستقلالية والكفاءة والإحساس بالهوية: وتشمل القدرة على العمل بشكل مستقل والشعور بالكفاءة والثقة في الذات.   
  • حرية التعبير عن الاحتياجات والعواطف: وتشمل القدرة على التعبير عن المشاعر والاحتياجات بشكل صحي دون خوف من العقاب أو الرفض.   
  • التلقائية واللعب: وتشمل القدرة على الاستمتاع بالحياة والتعبير عن الذات بشكل عفوي.   
  • وضع حدود واقعية والقدرة على ضبط النفس: وتشمل تعلم الحدود والقواعد الاجتماعية والقدرة على التحكم في الاندفاعات.   

يعد الحب غير المشروط من العائلة على رأس قائمة الأساسيات العاطفية التي يحتاج إليها الأطفال. يهدف العلاج بالمخططات إلى مساعدة المرضى على فهم احتياجاتهم العاطفية الأساسية وتعلم طرق تلبية تلك الاحتياجات بشكل سوي ومتكيف في حياتهم الحالية.   

عملية العلاج النفسي بالمخططات:

يتكون العلاج النفسي بالمخططات عادةً من ثلاث مراحل رئيسية تهدف إلى مساعدة الأفراد على فهم وتغيير أنماطهم السلبية المتجذرة. هذه المراحل هي:   

  • مرحلة التقييم والتعليم: في هذه المرحلة الأولية، يركز المعالج على تحديد المخططات المبكرة غير المتكيفة وأنماط التكيف غير الصحية لدى المريض. يتم ذلك من خلال مجموعة متنوعة من الأدوات، بما في ذلك المقابلات، والاستبيانات، وتقنيات التصوير العقلي. يساعد المعالج المريض على فهم جذور هذه المخططات من خلال استكشاف تجارب الطفولة المبكرة. كما يتم تثقيف المريض حول نموذج العلاج بالمخططات وكيفية عمله.   
  • مرحلة الوعي العاطفي والمرحلة التجريبية: تركز هذه المرحلة على مساعدة المرضى على التواصل مع مخططاتهم على المستوى العاطفي وتجربة المشاعر المرتبطة بها. يتم استخدام تقنيات تجريبية مثل التصوير العقلي، ولعب الأدوار، وعمل الكرسيين لمساعدة المرضى على إعادة تجربة المواقف المؤلمة من الماضي ومعالجة المشاعر التي لم يتم التعبير عنها أو حلها. يتعلم المرضى كيفية اكتشاف مخططاتهم والوعي بها عندما يتم تنشيطها في حياتهم اليومية.   
  • مرحلة التدخل والتغيير: في هذه المرحلة الأخيرة، يعمل المعالج والمريض معًا لتغيير الأفكار والسلوكيات السلبية المرتبطة بالمخططات. يتم استخدام استراتيجيات معرفية مثل إعادة التقييم المعرفي وتحدي الأفكار السلبية. كما يتم استخدام استراتيجيات سلوكية لمساعدة المرضى على تطوير أنماط سلوكية أكثر صحة وتكيفًا. بالإضافة إلى ذلك، يتم التركيز على تلبية الاحتياجات العاطفية الأساسية للمريض بطرق صحية في العلاقات الحالية.   

أهمية العلاقة العلاجية ودورها في الشفاء:

تلعب العلاقة العلاجية دورًا حاسمًا في العلاج النفسي بالمخططات وتعتبر أداة قوية للشفاء. يوفر المعالج بيئة آمنة وداعمة للمريض لاستكشاف تجاربه المؤلمة والتعبير عن مشاعره. يستخدم المعالج ما يسمى بـ "إعادة التوجيه الأبوي المحدود"، حيث يسعى إلى تلبية بعض الاحتياجات العاطفية التي لم يتم تلبيتها في طفولة المريض ضمن حدود العلاقة المهنية. من خلال توفير علاقة تتسم بالتعاطف، والتفهم، والتحقق من الصحة، يساعد المعالج المريض على تطوير شعور بالأمان والثقة، مما يسهل عملية التغيير. تعتبر العلاقة بين المعالج والمريض في العلاج بالمخططات جهدًا مشتركًا.   

تقنيات العلاج النفسي بالمخططات: 

يستخدم العلاج النفسي بالمخططات مجموعة متنوعة من التقنيات التي تهدف إلى معالجة المخططات المبكرة غير المتكيفة على المستويات المعرفية والعاطفية والسلوكية. تشمل بعض التقنيات الرئيسية المستخدمة ما يلي:   

  • إعادة التقييم المعرفي.   
  • التقنيات التجريبية مثل التخيل، ولعب الأدوار، وعمل الكرسيين.   
  • إعادة التوجيه الأبوي المحدود.   
  • الاستراتيجيات السلوكية مثل التدريب على المهارات ومهام التعرض.   
  • استخدام البطاقات التعليمية ويوميات المخطط.   

إعادة التقييم المعرفي 

تعتبر إعادة التقييم المعرفي تقنية أساسية في العلاج بالمخططات، وهي تعتمد على قدرة المريض على التعرف بدقة على الأفكار والمشاعر التلقائية المرتبطة بتنشيط المخططات. يهدف هذا الأسلوب إلى تحديد وتحدي الأفكار السلبية وغير العقلانية التي تنشأ عن المخططات المبكرة غير المتكيفة. يساعد المعالج المريض على فهم كيف تضخم التحريفات المعرفية المعلومات التي تؤكد المخطط وتحفظه، بينما تتجاهل أو تقلل من أهمية المعلومات التي تتعارض معه. من خلال فحص هذه الأفكار والمعتقدات، يتعلم المرضى كيفية إعادة هيكلتها وتبني وجهات نظر أكثر توازنًا وواقعية.   

التقنيات التجريبية

تلعب التقنيات التجريبية دورًا حيويًا في العلاج بالمخططات لأنها تساعد المرضى على التواصل مع الجوانب العاطفية العميقة لمخططاتهم.   

  • التخيل: يستخدم لتنشيط الذكريات العاطفية المبكرة المرتبطة بالمخططات. يمكن للمعالج أن يوجه المريض لتخيل نفسه في موقف طفولي مؤلم واستكشاف المشاعر والأحاسيس التي تنشأ. يساعد هذا في فهم التأثير المستمر لهذه التجارب على الحاضر.   
  • لعب الأدوار: يسمح للمرضى بتمثيل التفاعلات الماضية أو الحالية التي تنشط مخططاتهم. يمكن للمريض أن يلعب دور نفسه ودور الآخرين المشاركين في الموقف، مما يوفر رؤى جديدة حول الأنماط العلائقية والمشاعر.   
  • عمل الكرسيين: هي تقنية قوية تستخدم لاستكشاف الصراعات الداخلية بين مختلف صيغ المخطط أو بين المخطط والجزء الصحي من الذات. يمكن للمريض أن يتنقل بين كرسيين يمثلان وجهات نظر مختلفة، مما يسهل الحوار الداخلي والتكامل.   

إعادة التوجيه الأبوي المحدود:

تعتبر إعادة التوجيه الأبوي المحدود مفهومًا مركزيًا في العلاج بالمخططات. في هذه التقنية، يسعى المعالج إلى توفير علاقة علاجية تلبي بعض الاحتياجات العاطفية الأساسية التي لم يتم تلبيتها في طفولة المريض. ضمن حدود العلاقة المهنية، يقدم المعالج مستوى مناسبًا من الرعاية، والتعاطف، والتفهم، والحماية، والتوجيه الذي قد يكون مفقودًا في تجارب الطفولة المبكرة للمريض. تساعد هذه التجربة التصحيحية المريض على تطوير شعور أقوى بالأمان والثقة بالنفس، وتغيير الأنماط السلبية التي نشأت عن الاحتياجات غير الملباة.

تطبيقات العلاج النفسي بالمخططات:

أظهر العلاج النفسي بالمخططات فعالية كبيرة في علاج مجموعة متنوعة من اضطرابات الشخصية. لقد ثبت أنه مفيد بشكل خاص في علاج اضطراب الشخصية الحدية (BPD)، حيث يساعد في تغيير أنماط التفكير السلبية والسلوكيات الاندفاعية والعلاقات غير المستقرة التي تميز هذا الاضطراب. من خلال التركيز على المخططات المبكرة غير المتكيفة التي تساهم في صعوبات الشخصية، يساعد العلاج بالمخططات الأفراد على فهم جذور مشاكلهم وتطوير طرق أكثر صحة للتفاعل مع أنفسهم والآخرين. بالإضافة إلى اضطراب الشخصية الحدية، يتم تطبيق العلاج بالمخططات أيضًا في علاج اضطرابات شخصية أخرى مثل اضطراب الشخصية النرجسية واضطراب الشخصية التجنبية.   

تطبيقات أخرى في علاج الاكتئاب، القلق، واضطرابات الأكل

بالإضافة إلى اضطرابات الشخصية، وجد العلاج النفسي بالمخططات تطبيقات واعدة في علاج مجموعة من المشكلات النفسية الأخرى. يمكن أن يكون فعالًا في علاج الاكتئاب المزمن، حيث يساعد في تحديد وتغيير الأنماط السلبية من التفكير والشعور التي تساهم في استمرار الاكتئاب. كما تم استخدامه لمكافحة القلق المستمر واضطرابات المزاج، مما يساعد الأفراد على فهم ومعالجة المخططات الأساسية التي تؤدي إلى هذه المشاعر. علاوة على ذلك، يتم تطبيق العلاج بالمخططات في علاج اضطرابات الأكل، حيث يساعد في معالجة القضايا العاطفية والمعرفية التي تساهم في أنماط الأكل غير الصحية. يمكن أن يكون مفيدًا أيضًا في معالجة قضايا العلاقات، والسلوك الإجرامي، وتعاطي المخدرات، مما يدل على تنوعه وقدرته على معالجة مجموعة واسعة من الصعوبات النفسية.

فعالية العلاج النفسي بالمخططات

أظهرت العديد من الدراسات والأبحاث فعالية العلاج النفسي بالمخططات في علاج مجموعة متنوعة من المشكلات النفسية. غالبًا ما يُظهر العلاج بالمخططات نتائج متفوقة مقارنة بالعلاجات التقليدية، خاصة في علاج اضطرابات الشخصية المختلفة. تشير الأبحاث إلى أن العلاج بالمخططات يمكن أن يؤدي إلى تعافٍ حقيقي ودائم، وليس مجرد تخفيف مؤقت للأعراض.   

أظهرت دراسة أن العلاج بالمخططات فعال في خفض مستوى الضغط النفسي لدى البالغين المصابين بمتلازمة القولون العصبي. بالإضافة إلى ذلك، كشفت دراسة أخرى عن وجود علاقة ارتباطية إيجابية بين بعض المخططات المعرفية اللاتكيفية المبكرة واضطراب الشخصية التجنبية، وأن تطبيق برنامج العلاج بالمخططات أدى إلى انخفاض درجات المشاركين على مقياس المخططات المعرفية. علاوة على ذلك، أظهرت دراسة أن العلاج الذاتي بالمخططات أدى إلى انخفاض كبير في درجات الضيق وتحسن في المخططات المبكرة غير المتكيفة.   

مقارنة بفعالية العلاجات الأخرى

في حين أن العلاج النفسي بالمخططات غالبًا ما يُظهر نتائج متفوقة، خاصة في الحالات المعقدة والمزمنة، تشير بعض الدراسات إلى أنه يمكن أن تكون له فعالية مماثلة للعلاجات الأخرى الراسخة مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT) في سياقات معينة. على سبيل المثال، وجدت دراسة أن العلاج بالمخططات لاضطراب الشخصية الحدية يمكن تنفيذه بنجاح في خدمات الصحة النفسية المنتظمة وكانت نتائجه قابلة للمقارنة مع تجربة سريرية سابقة. ومع ذلك، في كثير من الأحيان، يُنظر إلى العلاج بالمخططات على أنه يوفر نتائج أكثر شمولية واستدامة للأفراد الذين يعانون من صعوبات متجذرة.   

الخلاصة والتوصيات

في الختام، يعتبر العلاج النفسي بالمخططات نهجًا علاجيًا قويًا ومتكاملاً يوفر إطارًا شاملاً لفهم وعلاج مجموعة واسعة من المشكلات النفسية، وخاصة تلك التي تنشأ من تجارب الطفولة المبكرة. من خلال التركيز على تحديد وتغيير المخططات المبكرة غير المتكيفة وأنماط التكيف غير الصحية، يساعد العلاج بالمخططات الأفراد على تلبية احتياجاتهم العاطفية الأساسية بطرق أكثر صحة وتكيفًا. لقد أثبت فعاليته في علاج اضطرابات الشخصية، والاكتئاب، والقلق، واضطرابات الأكل، وغيرها من الصعوبات النفسية المزمنة.بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في التعمق أكثر في هذا المجال، يوصى باستكشاف المزيد من الأبحاث حول تطبيقات العلاج بالمخططات في سياقات ثقافية مختلفة، ودراسة فعاليته على المدى الطويل مقارنة بالعلاجات الأخرى، والتعرف على التدريب والموارد المتاحة للمهنيين الذين يرغبون في ممارسة هذا النهج العلاجي. يمكن للمؤسسة الدولية للعلاج بالمخططات المعرفية (ISST) أن تكون مصدرًا قيمًا للحصول على معلومات حول التدريب والاعتماد في هذا المجال.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.