الأخصائي النفسي وعد عباس
01 Jan
01Jan

(قلق الموت ، وسواس الموت ، رهاب الموت ، الخوف من الموت) كلها تسميات تطلق على الخوف المبالغ به لدى بعض الناس من الموت، بحيث يعيق هذا الخوف حياتهم وعلاقاتهم الإجتماعية ويقطع عنهم السعادة. 

بالتأكيد، كلنا نخاف من الموت، ولا أحد فينا يتقبل فكرة أن يموت بصدر رحب، ولكننا مع ذلك لا نصل مرحلة نرتجف فيها خوفا أو تتوقف حياتنا، بل نكملها بشكل طبيعي رغم إننا واثقون بأننا سنموت في لحظة ما.

في هذه المقالة، سأشرح لك خطوات علاج وسواس الموت بشكل تفصيلي، وكلما أريده منك هو أن تقرأ بتركيز، وتطبق بتركيز واهتمام إذا كنت غير قادر على حضور جلسات العلاج النفسي. 

دعنا نتفق أولا على شيء هام، وهو إن الوسواس لديك إذا كان في مرحلة بسيطة أو متوسطة فيمكنك الاكتفاء بالخطوات التالية، لأنك ستكون قادرا على تنفيذ جميع التمارين، أما إذا كانت حالتك متقدمة جدا، فلا بد من تناول الادوية النفسية المهدئة للمزاج من خلال مراجعة الطبيب النفسي، ثم العودة لتطبيق هذه الخطوات: 

الخطوة الأولى/ التشخيص الدقيق

لا يمكنك البدء بممارسة العلاج النفسي الذاتي إلا بعد التأكد من مدى شدة الاضطراب لديك، يمكنك الآن إجراء اختبار يل براون لقياس مستوى الأعراض لديك، أو حجز استشارة نفسية مع أخصائي علاج نفسي ليعطيك تشخيصا دقيقا. 

الخطوة الثانية/ مراقبة الذات وتدوين الأفكار

راقب ذاتك لفترة أسبوعين في كل المواقف والأوقات التي تسبب لك قلقا أو خوفا أو توترا، إذا شعرت بأنك تخاف دون سبب واضح، اسأل نفسك الأسئلة التالية في لحظة حدوث الموقف: 

- لماذا أنا خائف الآن؟ ما الذي يدور في عقلي في هذه اللحظة؟ ما التفسير الذي في عقلي الآن لهذا الموقف؟ ... وهكذا. قد يكون الموقف المسبب للقلق كلمة أو عبارة او صورة او مكان أو وقت معين أو تاريخ معين أو أي شيء آخر، وإليك بعض الأمثلة: 

الحدث: مرت بقربي سيارة عليها تابوت (نعش).

المشاعر: خوف شديد وارتجاف وتعرق نسبته 100%

الفكرة: أنا سأكون مكانه في هذا التابوت. 

السلوك القهري: ادرت نظري عن التابوت وصرت استغفر


الحدث: رأيت قطعة معلقة على جدار مدرسة لطالب متوفي

المشاعر: خوف متوسط نسبته 60%

الفكرة: هذا شاب اصغر مني ومات إذن أنا سوف اموت بعده 

السلوك القهري: دخلت للمدرسة وصرت اسأل عن عمر الطالب المتوفي


الحدث: جلست مع اهلي جلسة عائلية جميلة 

المشاعر: فجأة شعرت بالقلق الشديد ونسبته 85%

الفكرة: هم اجتمعوا ويضحكون معي لأنهم يعرفون بأني سأموت غدا

السلوك القهري: تركت المجلس وذهبت لغرفتي وصرت ادعو لنفسي بالرحمة. 

العلاج النهائي لوسواس الموت ، قلق الموت ، الخوف من الموت ، رهاب الموت

الخطوة الثالثة/ ربط الأفكار التلقائية بالمعتقدات السلبية وأخطاء التفكير

دعني أخبرك بشيء هام

بالنسبة لك تعتقد إن أفكار الموت تأتيك وحدك، وهذا هو الأمر الذي يقلقك ويجعلك تشعر بأن نهايتك قربت، وهذه الأفكار والتخيلات ما هي إلا إشعارات وتنبيهات لقرب موعد مغادرتك الدنيا. 

والحقيقة إن هذه الأفكار تأتي لجميع الناس بدون استثناء، والفرق الوحيد بينك وبين الإنسان العادي هي معتقداتك السلبية، ومن أهم هذه المعتقدات إنك تبالغ في أهمية الفكرة المقتحمة، وتعتبر كل فكرة تأتي في ذهنك هي فكرة حقيقية وستحدث على أرض الواقع الأمر الذي يتسبب لك بالقلق والخوف والتوتر الشديد، بينما الناس الطبيعيون لا يهتمون لهذه الأفكار ابدا، فتأتي وتذهب دون أن يتوتروا بسببها. 

لأعطيك مثالا آخر، هل لاحظت إن منصات التواصل الاجتماعي تقترح عليك بشكل مستمر فيديوهات ومنشورات مختلفة عما تقترحه لغيرك؟ لماذا برأيك؟ 

الإجابة بكل بساطة، إن الخوارزميات تلاحظ نوع المحتوى الذي تتفاعل معه، أو تكمل مشاهدته أو قراءته للنهاية، فتبدأ تقترح عليك المزيد، وهذا بالضبط هو عمل العقل، حيث يلاحظ العقل نوع الأفكار التي تتفاعل معها، ويبدأ يقترح عليك المزيد منها، فما دمت تخاف من كل شيء يتعلق بالموت، فالخوف هذا تفاعل مع الافكار، ويبدأ العقل باقتراح المزيد منها في يقظتك ومنامك، وأنت مستمر بالتصديق والخوف، وهي تتزايد. 

قائمة بالمعتقدات السلبية لدى المصابين بالوسواس القهري: 

1..تضخيم المسؤولية عن الأذى: فهو يرى نفسه سبب الأذى لنفسه ولمن حوله، وكان يمكنه منع الأذى لو تصرف بطريقة أخرى، أو ببذل جهد أكبر، كما أنه يظن انه لمجرد احتمال وقوع الأذى فإنه يجب أن يبذل الجهد لمنعه. 

2. المبالغة في أهمية الأفكار المقتحمة: فهي لم تأت برأيه بالصدفة بل أنها تعبر عن رغباته الدفينة، وإن كل فكرة تأتي فهي مهمة، وإنه سيحاسب عليها، وإنه إنسان سيء لأن هذه الأفكار تأتي في ذهنه، وإن الأفكار تنذر بوجود شيء حقيقي سيحدث في الواقع. 

3. المبالغة في ضرورة التحكم بالافكار المقتحمة: يعتقد إنه يجب أن يتحكم بكل الافكار، ويجب أن يوقفها وإذا فشل فهو ضعيف وإن الخطر سيقع. 

4. المبالغة في تقدير التهديد: بالنسبة لأصحاب الوسواس ما دام الأمان غير واضح في الموقف فيجب أن يكون الموقف خطيرا، ويعتقدون إن الأشياء المؤذية ستكون شديدة جدا، ويعتقدون إن أفكارهم ستحدث في الواقع بشكل أكبر من الأفكار نفسها.

5. عدم تحمل عدم اليقين: يؤمنون بضرورة اليقين 100% في كل شيء، وضرورة التأكد من أن الأشياء السلبية لا تحدث ابدا، والشيء غير قابل للتأكد بنسبة 100% لا يفعلونه لأن النتيجة السلبية محتومة برأيهم، ولذلك تراهم يغسلون كثيرا او يتأكدون من الأبواب وغلقها وغير ذلك. 

6. النزعة إلى الكمال: ضرورة فعل الأشياء بطريقة كاملة تماما، وإنه ممكن برأيهم لأنه ضروري جدا، ويعتقد بوجود حل كامل مثالي لكل مشكلة، ويرى إن جهوده غير كافية للوصول للحل الكامل، ودافعه للكمال هو الخوف من الفشل وليس الرغبة بالنجاح، إذ يعتقد بأن الأخطاء البسيطة تؤدي إلى نتائج سلبية مدمرة. 

7. المبالغة في مترتبات القلق: وهو اعتقاد الفرد بأنه غير قادر على تحمل الضيق والقلق وإنه سيفقد السيطرة على نفسه ويصبح مجنونا، أو غير ذلك. 

8. الخوف من الخبرات الإيجابية: وهو اعتقاد الفرد بأنه لا يستحق الخبرات الإيجابية او غير قادر تحمل تبعاتها، وإن الاحداث الجيدة لا بد أن تتبعها أحداث سيئة، مثل الذي يضحك كثيرا ويتعوذ الشيطان. (مأخوذ من كتاب دليل العلاج السلوكي المعرفي للوسواس القهري الذي انصح بشدة باقتنائه وقرائته)

قائمة بأخطاء التفكير

قراءة الأفكار: حيث يعتقد أنه قادر على معرفة ما يدور في أذهان الآخرين، فيقول إن فلان قصد بكلامه كذا، وهذا يفكر حاليا بكذا وتظهر مشاعره نتيجة هذه التفسيرات دون وجود دليل على استنتاجاته.

  • التوقع السلبي: بدون أسباب واضحة يتوقع إن الأمور تسير بشكل سلبي.
  • التفكير الكارثي: من دون أسباب واضحة يرى إن الأمور ستكون كارثية وليست سلبية فحسب.
  • التفكير الثائي: أما كل شيء أو لا شيء.
  • التفكير العاطفي: أن يعتمد الفرد على حدسه ومشاعره واحاسيسه في الاستدلال.
  • الشخصنة: أخذ الأمور دائما بمحمل شخصي، فإذا تحدث مديره عن المنافقين ظنه يقصده، وإذا تمازح إثنان في الشارع ظن إنهم يضحكون عليه.
  • اللوم: القاء اللوم على الآخرين وتجنب تحمل مسؤولية أفعاله.
  • المقارنات المجحفة: إذ يقارن الفرد نفسه دائما باستعمال الجوانب التي هو الأقل فيها وتسبب التعاسة ولا يقارن بالاشياء التي هو متفوق فيها.
  • ماذا لو: يضع سلسلة من الاحتمالات والتوقعات السلبية، ماذا لو طلبت إجازة، ماذا لو لم يوافقوا وطردوني ... وهكذا.
  • التسمية (الأحكام): حيث يطلق الفرد على نفسه أو على الآخرين أحكام تمثل أشبه بالسجن: فلان غبي، أنا أحمق وهكذا.
  • بخس الإيجابيات: وهو التقليل من شأن الإيجابيات ورفع قيمة السلبيات.
  • الانتقاء السلبي: ويعني التركيز على الجانب السلبي من الحياة فقط.
  • المبالغة في التعميم: يعتمد على موقف واحد لإصدار أحكام عامة.
  • الندم على ما فات: ويعني حصر تفكيره بالماضي والندم عليه.

مثال: 

الحدث والفكرة: لما شاهدت التابوت جائتني فكرة بأني سأكون مكانه بأقرب وقت. 

المعتقد السلبي: المبالغة في أهمية الفكرة الاقتحامية والمبالغة بضرورة التحكم بها. 

خطأ التفكير: التوقع السلبي

نظرة الآخرين: تأتيهم الفكرة كلهم، ولكن لا يهتمون لها ولا يقلقون بسببها. 

الخطوة الرابعة/ مناقشة الأدلة وتخليق معتقدات بديلة

باستعمال استمارة فحص الادلة أدناه، ناقش معتقداتك الجوهرية، وما الأدلة التي تثبت بأن الفكرة حقيقية، يمكنك الاستناد لبعض الادلة التالية: 

  1. منذ سنة وأنا تأتيني فكرة بأني ساموت الآن ولم أمت وهذا يعني إن الفكرة غير حقيقية.
  2. مررت بالكثير من المواقف الخطيرة ولم أمت وهذا يعني إن الفكرة غير حقيقية.
  3. كل مرة يمر بقربي تابوت وأقلق ولم أمت.

والكثير من الأدلة الأخرى التي تنقض المعتقد السلبي، بعد أن تستمر بمناقشة وإضعاف المعتقدات السبية وأخطاء التفكير، ابدأ بتخليق معتقدات منطقية بديلة مثل: 

- هذه أفكار اقتحامية ليست حقيقية ولا يمكن لي ولا لغيري التحكم بها. 

- يجب أن اتقبلها برحابة صدر ولا ارفضها أو أتفاعل معها فهي مجرد فكرة. 

وهكذا... 

الخطوة الخامسة/ تقنية التعرض ومنع الاستجابة

قبل سنتين مات أخو زيد في حادث سير، ولما جلبوا جثمانه للبيت رفض زيد بسبب الصدمة أن يرى أخاه، ورفض أن يرافقهم للمغتسل أو يذهب معهم للمقبرة، في الوقت ذاته صار يتجنب مشاهدة صوره لأنه يرى نفسه غير قادر على النظر إليها وتحمل فقده، بدأت حالة زيد تسوء بشكل مستمر وصارت تأتيه الكثير من الكوابيس، بينما بقية أفراد العائلة الذين عاشوا الحالة ولم يتجنبوها، أصبحوا طبيعيين بعد مرور شهر أو أقل. 

والآن دعني أشرح لك القاعدة التي تستند إليها فنية التعرض ومنع الاستجابة

المشاعر بكل أنواعها (الحزن - الغضب - القلق - الخوف - التوتر - الفرح...الخ) لها منحنى، حيث تبدأ شديدة ثم تبدأ بالانخفاض تدريجيا وتنتهي أو يحدث شيء يسمى (التعود) ولكن تجنب الإنسان للمواقف التي تثير فيه مشاعر معينة تجعله أسوأ بشكل مستمر. 

ولذلك فإن تجنب الشخص المواقف المتعلقة بالموت، كي يبعد نفسه عن القلق، هو اكثر شيء يساهم في استمرار وزيادة وسواس الموت لديه، ويكمل ذلك أفعاله القهرية مثل تجنب النظر أو الاستغفار أو اللجوء للنوم ...الخ. 

الآن: 

أريد منك أن تكتب جميع المواقف التي تثير فيك وسواس الموت، ثم ترتبها بشكل تصاعدي، من أقل الأشياء إثارة للوسواس لديك إلى أضعف الأشياء، كما في الجدول أدناه لأحد العملاء: 

  1. كلمات (موت - مقبرة - تابوت)   30%
  2. رؤية التابوت وقطع العزاء        50%
  3. الدخول في المستشفى              70%
  4. دخول المغتسل                     85%
  5. دخول المقبرة                      100%

مارس أحد تمرينات التنفس أو التأمل، وحاول أن تضع في ذهنك مكانا آمنا تحب أن تكون فيه بعد نهاية التعرض، والآن ابدأ بتعريض نفسك لأول الهرم (كلمات موت ومقبرة وتابوت) بعد أن تصيغ جمل مناسبة (أنا سوف أموت بعد دقيقة، سوف يضعوني في التابوت الآن، ويدفنوني في المقبرة) سوف تصبح خائفا جدا، ولكن يجب أن تتحمل، سيبدأ الخوف بالانخفاض بعد نصف ساعة أو 45 دقيقة على الأكثر، المهم أن تمنع نفسك من ممارسة أي سلوك قهري. استمر على الممارسة يوميا مرتين أو ثلاث إلى أن تتعود، ثم انتقل لتنفيذ الموقف الثاني وهو رؤية التابوت ولو من خلال الصور او الفيديوهات واستمر بالنظر إليه ... وهكذا بالنسبة للبقية، تذكر: يجب أن لا تنتقل للتعرض للموقف التالي قبل أن تتعود على الموقف الأول ويصبح اعتياديا لديك ولا يثير فيك الخوف. 

الخطوة السادسة/ منع الانتكاسة

أكثر طريقة تجعلك مستمرا في حياتك ولن تحدث لك الانتكاسة، هو أنك إذا شعرت بالقلق ولو البسيط من أي موقف، فاحذر ان تتجبنه، بل اضغط على نفسك واقتحمه. 

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.